responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 168
الْعَهْدَ، وَإِنْ صَدَقْتُ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَيَّ فَتَرَكَهَا ثُمَّ عَرَضُوا عَلَيْهِ الزِّنَا، فَجَاءَ ذَلِكَ الْخَاطِرُ فَتَرَكَهُ، وَكَذَا فِي السَّرِقَةِ، فَعَادَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا فَعَلْتَ، لَمَّا مَنَعَتْنِي عَنِ الْكَذِبِ انْسَدَّتْ أَبْوَابُ الْمَعَاصِي عَلَيَّ، وَتَابَ عَنِ الْكُلِّ.
الثَّانِي: رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ إِلَى الْبِرِّ وَالْبِرُّ يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَصْدُقُ فَيُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يُقَرِّبُ إِلَى الْفُجُورِ. وَالْفُجُورُ يُقَرِّبُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ وَكَذَبْتَ وَفَجَرْتَ، الثَّالِثُ: قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْلِيسَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: 82، 83] إِنَّ إِبْلِيسَ إِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَصَارَ كَاذِبًا فِي ادِّعَاءِ إِغْوَاءِ الْكُلِّ، فَكَأَنَّهُ اسْتَنْكَفَ عَنِ الْكَذِبِ فَذَكَرَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ، وَإِذَا كَانَ الْكَذِبُ شَيْئًا يَسْتَنْكِفُ مِنْهُ إِبْلِيسُ، فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى أَنْ يَسْتَنْكِفَ مِنْهُ. الرَّابِعُ: مِنْ فَضَائِلِ الصِّدْقِ أَنَّ الْإِيمَانَ مِنْهُ لَا مِنْ سَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَمِنْ مَعَايِبِ الْكَذِبِ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْهُ لَا مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَنَّ الْمُقْتَضِي لِقُبْحِهِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْمُقْتَضِي لِقُبْحِهِ هُوَ كَوْنُهُ مُخِلًّا لِمَصَالِحِ الْعَالَمِ وَمَصَالِحِ النَّفْسِ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الْمُقْتَضِي لِقُبْحِهِ هُوَ كَوْنُهُ كَذِبًا وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ [الْحُجُرَاتِ:
6] يَعْنِي لَا تَقْبَلُوا قَوْلَ الْفَاسِقِ فَرُبَّمَا كَانَ كَذِبًا، فَيَتَوَلَّدُ عَنْ قَبُولِ ذَلِكَ الْكَذِبِ فِعْلٌ تَصِيرُونَ نَادِمِينَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَوْجَبَ رَدَّ مَا يَجُوزُ كَوْنُهُ كَذِبًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُفْضِيًا إِلَى مَا يُضَادُّ الْمَصَالِحَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ المقتضى لقبح الكذب إفضاءه إِلَى الْمَفَاسِدِ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّ مَنْ دُفِعَ إِلَى طَلَبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ وَأَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إِلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَكْذِبَ وَبِأَنْ يَصْدُقَ فَقَدْ عُلِمَ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الصِّدْقِ إِلَى الْكَذِبِ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَصِلَ إِلَى ذَلِكَ بِصِدْقَيْنِ لَجَازَ أَنْ يَعْدِلَ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، فَلَوْ كَانَ الْكَذِبُ يَحْسُنُ لِمَنْفَعَةٍ أَوْ إِزَالَةِ مَضَرَّةٍ لَكَانَ حَالُهُ حَالَ الصِّدْقِ. وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا قَبِيحًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَحْسُنَ لَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إِذَا كَانَ مَصْلَحَةً، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لَا يُوثَقَ بِأَخْبَارِهِ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي التَّفْسِيرِ فَيُقَالُ لَهُ فِي الْجَوَابِ عَنِ الْأَوَّلِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَمَّا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ مِنْ أَوَّلِ عُمُرِهِ تَقْبِيحُ الْكَذِبِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ مُخِلًّا لِمَصَالِحِ الْعَالَمِ. صَارَ ذَلِكَ نُصْبَ عَيْنِهِ وَصُورَةَ خَيَالِهِ فَتِلْكَ الصُّورَةُ النَّادِرَةُ إِذَا اتَّفَقْتَ لِلْحُكْمِ عَلَيْهَا حَكَمَتِ الْعَادَةُ الرَّاسِخَةُ عَلَيْهَا بِالْقُبْحِ، فَلَوْ فَرَضْتُمْ كَوْنَ الْإِنْسَانِ خَالِيًا عَنْ هَذِهِ الْعَادَةِ وَفَرَضْتُمُ/ اسْتِوَاءَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْإِفْضَاءِ إِلَى الْمَطْلُوبِ، فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا نُسَلِّمُ حُصُولَ التَّرْجِيحِ، وَيُقَالُ لَهُ فِي الْجَوَابِ عَنِ الْحُجَّةِ الثَّانِيَةِ، إِنَّكُمْ تُثْبِتُونَ امْتِنَاعَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِكَوْنِهِ قَبِيحًا لِكَوْنِهِ كَذِبًا، فَلَوْ أَثْبَتُّمْ هَذَا الْمَعْنَى بِامْتِنَاعِ صُدُورِهِ عَنِ اللَّهِ لَزِمَ الدور وهو باطل.

[سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 121]
مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (121)

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 168
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست